قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. logo اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
شرح كتاب الآجرومية
133675 مشاهدة print word pdf
line-top
القسم الأول كان وأخواتها

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمنا الله تعالى وإياه- باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وهي: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها.
أما كان وأخواتها، فإنها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، وهي: كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، وما زال، وما انفك، وما فتئ، وما برح، وما دام، وما تصرف منها نحو: كان، ويكون، وكن، وأصبَح، ويصبح، وأصبِح، تقول: كان زيد قائمًا، وليس عمرو شاخصا وما أشبه ذلك.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد هذه العوامل تسمى النواسخ، حيث إنها تغير المبتدأ والخبر عما كانا عليه، فقيل: إنها تغيره كله، وقيل: إنها تغير بعضه. وهي: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها. أما كان وأخواتها: فإنها أفعال، وأما إن وأخواتها: فإنها حروف، وظننت وأخواتها: أفعال أيضا.
بدأ بكان وأخواتها، ذكر أنها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، فقيل: إنها تعمل في المبتدأ والخبر، فعملها في المبتدأ أنها ترفعه، والخبر تنصبه. وقيل: إنها تعمل في الخبر، وأما المبتدأ فإنه باق على رفعه قبلها؛ لأن المبتدأ مرفوع قبلها، فبقي على رفعه، بقي على كونه مرفوعًا، والمشهور أنها تعمل فيهما.
عملها في المبتدأ الرفع، فيقال: مرفوع على أنه اسم كان، أو اسم صار، أو ما أشبه ذلك. واشتهر أنها تضاف إلى أنها أخوات كان. أُمُّ الباب هي كان، والمراد بها: كان الناقصة، ذكروا أن كان تارة تأتي ناقصة، وتارة تأتي كاملة تامة، وتارة تأتي زائدة. ولكن الأشهر كونها ناقصة، ومعنى كونها ناقصة: أنها تحتاج إلى خبر، يعني: تحتاج إلى تمام، لا يكفيها الاسم الأول الذي هو الفاعل؛ لأنا لو قلنا مثلا: إنها فعل، لكان الاسم الذي يليها فاعلا ! وكذلك الذي يلي أخواتها، فإنك مثلا إذا قلت: أصبح زيد، فإنَّ زيد فاعل، هو الذي أصبح، كذلك إذا قلت: أصبح الصبحُ، فالصبح فاعل، ولكن إذا قلت: أصبح البرد... وسكتَّ، ما تم الكلام، حتى تقول: شديدا. أصبح البرد شديدا، أو أصبح البرد خفيفا، فتكون ناقصة تحتاج إلى فاعل، وإلى خبر فيسمى الفاعل اسمها، ويسمى ما بعد ذلك خبرها.
هذه هي التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، فتقرأ مثلا: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا فالاسم الشريف- وهو الله- اسمها، وهو في محل الفاعل، وخبرها قديرا، أو سميعا بصيرا. هذا خبرها، لماذا؟ لأنه الذي تتم به الفائدة، يحصل به تمام الكلام. فإنك إذا قلت: كان الله، لا بد أن يكون هناك مَنْ ينتظر بقية الكلام، كما إذا قلت مثلا: كان المطر.... يمكن أن يستزيدك الذي يسمع، ويمكن ألا يستزيدك. إذا قلت مثلا: كان المطر- وأنت تقصد حصل المطر، وُجِدَ المطر، فهذه تعتبر تامة، لا تحتاج إلى خبر.ومن ذلك قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ المراد: وإن وجد ذو عسرة. لو قيل مثلا: كان زيد معسرا، زيد اسمها، ومعسرا خبرها. وأما إذا قلت مثلا: كان ذو عسرة، فالمراد: وُجِدَ ذو عسرة. وإن وجد معسر فَنَظِرَةٌ إلى ميسرة، هذه كان التامة. مثلا: كان المطر، يعني: وُجِدَ المطرُ.
أما الزائدة: جاء في وصف الإمام أحمد رحمه الله، قالوا: عن الدنيا ما كان أَصْبَرَهُ ! وبالماضين ما كان أشبهه ! كان هنا زائدة، التقدير: عن الدنيا ما أصبره ! وبالماضين ما أشبهه ! ولكن جاءوا بكان هنا للمبالغة في الوصف: عن الدنيا ما كان أصبره.
فالحاصل أن كان تأتي ناقصة، وتأتي كاملة، وتأتي زائدة. فإذا كانت ناقصة فإنها تحتاج إلى اسم وخبر، كما مَثَّل الماتن، وهو كثير، يقع في الكلام كثيرا، إذا قلت مثلا: كان السعر رخيصا، وكان الزرع جيدا، وكان النبات مخضرا، وما أشبه ذلك. الخبر قد يكون جملة، فيكون منصوبا بتقديرٍ. إذا قلنا مثلا: كان زيد يحب الأكل، أو نحوه، فـيحب الأكل: جملة في محل نصب، التقدير: مُحِبًّا. فالحاصل أن كان خبرها منصوب، سواء كان اسما، أو كان جملة، ومثلها أخواتها.
ذكر أخواتها بقوله: كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، وما زال، وما فتئ، وما انفك، وما دام، وما تصرف منها، هذه أخوات كان.
أصبح: إذا قلنا: أصبح البرد شديدا، أو خفيفا، فهو اسم ظاهر، وفعل ظاهر، وإذا قلنا مثلا: أصبح المطر يهطل، أو ينزل، فهو جملة. وكذلك أمسى: أمسى القلب كئيبا، وأمسى الرجل حزينا، وهذا جواب صريح. وإذا قلت مثلا: أمسى الغلام نائما، أو أمسى أخوك يكتب أو يقرأ، فهذا أيضا جوابها فعل: جملة فعلية، التقدير: كاتبا أو نائما أو نحو ذلك.
وكذلك قولهم: أضحى، يعني: مكث في الضحى، فتقول مثلا: أضحى فلان جالسا، وأضحى عمرو يكتب، أو يقرأ، جوابها أيضا- يعني خبرها يكون فعلا، وجملة ويكون اسما. وكذلك ظل، وبات. ظل: يعني مكث بالنهار، وبات: يعني مكث ليلا. يقال في الحديث: باتت يده وفي الحديث: يبيت الشيطان على خيشومه يبيت: يعني يمكث في الليل. فإذا قلنا مثلا: بات الشيطان جاثيا على خيشومه، فبات: يعني مكث ليلا، وكذلك لو قلت: بات فلان نائما، يعني: قطع ليله.
وكذلك ظل، ظل أيضا: مكث في النهار. يقولون مثلا: ظل فلان صائما، يعني: مكث نهاره صائما، كما يقولون: أصبحت صائما، فالحاصل أنها يأتي خبرها اسما، ويأتي خبرها جملة فعلية.
وأما الاسم فيأتي ظاهرا، ويأتي ضميرا. يقول الشاعر:
أصبـحت منفعـلا لمـا تختـاره
....................................
أصبحتُ: التاء هي اسم كان، ومنفعلا خبره. ويقول:
فأصبحوا والنوى عـالي معرسهم
....................................
فاسمها: الضمير في أصبحوا، تقديره أصبح القوم عاليا معرسهم النوى. وظل، وبات، وصار. صار لا خلاف أنها فعل ناقص؛ لأنها لا تأتي إلا ناقصة، ولا يمكن أن تقول: فلان صار، أو صار فلان.. وتسكت. فلا بد أن تقول مثلا: صار بمعنى تكون. صار العشب رميما، وصار الخمر خلا، وصار الثوب رداءً، يعني صيَّرَهُ وَحَوَّلَهُ، وصار الْحَبُّ دقيقا، أو صار الْحَبُّ زرعا، وصار البيض فرخا، وصار النوى غرسا، يعني: تَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ إلى حال. فهذه ناقصة- أي: صار.
وأما الأفعال التي لا بد أن يسبقها نفي، فمنها ما اخْتلِفَ في كونه فعلا، مثل: ليس، هل هي فعل، أو حرف؟ والمشهور أنها فعل، والدليل أنها يدخل عليها ضمير المتكلم. قال تعالى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ فتقول مثلا: لست آكلا معك، لست دخل عليها الضمير، كما تدخل على: كنت، وصرت، وأصبحت، وأمسيت، دخلت على لستُ، ولستَ إذا كنت مخاطبا إنسانا قلت: لست حاضرا، ولستم حافظين، فليس فعل، ولكنه لا يتصرف، أي: لا يكون منه ماض، ومضارع، بخلاف كان وصار، فإنها تتصرف، فتقول: كان، ويكون، وكن. وأَصْبَح، ويصبح، وأصْبِح، تقول: أَصْبِح ليل، يعني: أصبح يا ليل.
وأما ليس، فلا تقول: لِسْ، ولا لَاسَ، ولا يليس ! فلا يكون متصرفا، فهي فعل، ولكنه ليس متصرفا، مثل عسى، يدخل عليها الضمير: فَهَلْ عَسَيْتُمْ ولا تتصرف، لا يقال: يعيس، عاس، عِسْ، بل هي على هذه الكلمة عسى. فهذه الْأُوَل هي التي تتصرف، ويكون المضارع مثل الماضي، فتقول مثلا: يكون الْحَبُّ زرعا، ويكون البيض فرخا، ويكون الخشب أبوابا، بمعنى: يتحول ويصير، وتقول مثلا: أصْبِحْ مقيما، فالضمير تقديره: أنت وهو اسمها، وخبرها مقيما. أصبِحْ سعيدا، وأمسِ مقيما، أو فرحا.. وهكذا إذا قلت مثلا: بِتْ مقيما أو نحو ذلك، فما تصرف منها يُعطَى عملها.
وأما قوله: وما انفك، فهذه لا بد أن يتقدمها نفي، تقول مثلا: ما انفك زيد متشبها بكذا وكذا، يعني: لم ينفك عن هذا، ما انفك بشر معتزليا، أو معتزلا، يعني لم ينفك عن هذا. وكذلك: ما برح، وما فتئ، لا بد أن يسبقها نفي بما، أو هل أو نحوه. فإذا قلت مثلا: هل فتئ زيد شابا؟ أو كهلا؟ أو شيخا؟ أو هل برح أحمد مقيما؟ برح وانفك وفتئ تعمل عمل كان، ولكن لا بد أن يسبقها ما، أو يسبقها هل، أو نحوها. هل برح؟ وهل انفك؟ وهل فتئ فلان مقيما؟ أما دام فإنه لا بد أن تسبق بما، إذا قلت مثلا: لا آتيك ما دام الغراب مسودا، أو ما دامت السماء مصحيةً، فتعمل عمل كان، فتنصب الاسم، وترفع الخبر.
فالحاصل.. أن هذه من النواسخ هي وأخواتها تمر كثيرا في الكلام، ولكن حيث إن اسمها لا تظهر عليه علامة الإعراب فيتفطن له، ويكون مرفوعا، وأما خبرها فإنه منصوب، فيكون منصوبا بالحركة الظاهرة، بحيث يظهر عليه المد، فإن وقفت عليه وقفت بالألف، فتقول مثلا: كان الله على كل شيء قديرا، ولا تقل قديرْ؛ لأن فيه ألفا. يغلط بعض القراء فيقول عندما يقف: كان الله على كل شيء قديرْ، فيترك ألفا في القرآن، حرفا ظاهرا، أو يقول: وكان الله غفورا رحيمْ !! ثم يسكت، فيدعي أن الوقف يُسْقِطُ الحرف! إنما يسقط التنوين، وأما الحرف فلا يجوز إسقاطه. وهكذا بقية الأمثلة، ونكتفي بهذا.


line-bottom